مصر ومجلس الأمن

جاءت عضوية مصر غير الدائمة في مجلس الأمن (2016-2017(  ترسيخاً لدورها الرائد والمحوري كمنارة للاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتأكيداً لوضعيتها المتصاعدة على المستوى الدولي، في ظل ما تبذله من جهود مقدرة لتعزيز السلم والأمن في المنطقة والعالم، ومن أجل الدفاع عن المصالح العربية والأفريقية وغيرها من الدول النامية.

وقد ارتكزت الجهود والتحركات المصرية داخل مجلس الأمن على مواقف ثابتة ورؤى ثاقبة والتزام أصيل تجاه استعادة أمن واستقرار المنطقة في ظل الواقع الإقليمي المضطرب الذي تعيشه واحتدام الصراعات واتساع دائرة التطرف وانتشار الكيانات والجماعات الإرهابية التي تتاجر باسم الدين، بما يؤثر على مفهوم الدولة الوطنية.

وحققت مصر خلال فترة رئاستها للمجلس في شهر مايو 2016، وكذا رئاستها للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة انطلاقة ناجحة لمساعيها من أجل تعزيز الجهود الدولية في مواجهة الأيديولوجية المتطرفة التي تغذي الإرهاب، حيث دعت الرئاسة المصرية إلى نقاش وزاري للدول أعضاء المجلس أسفر عن وضع إطار تنفيذي لهذه الجهود ينطوي على إجراءات محددة لمجابهة الأفكار المضللة الداعمة للإرهاب.

كما نجحت مصر في الحفاظ على المرجعيات الرئيسية والمقررات الشرعية للقضية الفلسطينية، ومساندة ودفع كافة الجهود الرامية إلى تسوية سياسية للقضية تضمن إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. كما نجحت الدبلوماسية المصرية في تأكيد أولوياتها ورؤيتها إزاء سبل استعادة أمن واستقرار الدولة الليبية والحفاظ على وحدة أراضيها ومؤسساتها الوطنية وعلى رأسها الجيش الليبي.

وقد جاءت مواقف مصر إزاء الأزمة السورية ونمط تصويتها على مشروعات القرارات المرتبطة بالأزمة داخل المجلس انطلاقاً من ثوابتنا القومية ورغبتنا الأصيلة في إنقاذ الشعب السوري الشقيق من محنته الممتدة، والعمل على إيجاد صيغ عملية وفورية لوقف نزيف الدماء والتخفيف من الوضع الإنساني المتفاقم وتجاوز خمسة أعوام من الإخفاق في التوصل إلى تصور موحد لتسوية سياسية شاملة للأزمة تحفظ وحدة وسلامة الأراضي السورية، وتحول دون سقوط مؤسساتها الوطنية في براثن الفوضى التي لن يستفيد منها إلا التنظيمات الإرهابية.

منحت عضوية مصر بمجلس الأمن بالتزامن مع عضويتها بمجلس السلم والأمن الأفريقي فرصة لإبراز محورية البعد الأفريقي في السياسة الخارجية المصرية ودورها المؤثر في تناول مختلف الملفات الشائكة والعمل على تسوية مختلف النزاعات داخل القارة. وقد استطاعت مصر التأكيد على أهمية بناء شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأفريقي لخدمة قضايا حفظ وبناء السلام، وبما يستجيب للشواغل الأفريقية ويراعي أولوياتها واستقلاليتها، الأمر الذي أسهم في تعزيز دورنا الرائد داخل القارة والارتقاء بالجهود التي يقوم بها كل من مركز القاهرة الإقليمي لتسوية المنازعات والوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية.

  وفي المجمل، أظهرت مصر صلابة واستقلالية في الدفاع عن مواقفها وقدرة على التعبير عن قاعدة واسعة من العضوية العامة لمنظمة الأمم المتحدة. كما حكم التحركات المصرية داخل مجلس الأمن حرص ورغبة أصيلة في التعاون والعمل على تحقيق التوافق اللازم، من أجل خدمة قضايا الأمن والسلم الدوليين، وهو الأمر الذي حظي بتقدير واسع من جانب كافة الدول والأطراف الإقليمية والدولية.​